صناعة تصورات المجتمعات بالضحك
صناعة تصورات المجتمعات " بالضحك " ..
ربما ينظر البعض بشفقة إلى ذلك الشخص الذي يتعامل بتوجس مع " الطفرة " الهائلة في قنوات اليوتيوب وبرامجه ، فإن كنت من هؤلاء الذين يشفقون على هؤلاء المتوجسين الحذرين ، فإنني من الطرف المقابل الذي تغمره بشفقتك !
كثيرا ما نتعامل مع النكتة التي تأتينا عبر الوتز أب أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعفوية وتلقائية وربما أحيانا ببلاهة ، وقد تكون ما تحمله هذه النكتة أسوأ بكثير وأعمق أثرا في النفس من مقال عنصري بشع ، أو مؤلف ينظر لفئة من الناس أو المجتمع نظرة دونية .. وربما حملت النكتة التي نراها بسيطة وعادية حمولة ضخمة من القدح في المسلمات والأعراف ، مما لايمكن أن يقبله الناس لو لم يكن في نكتة ضاحكة . هذه النكتة قد تأتي على شكل نص بسيط ، أو حوار قصير ، أو تعليق على صورة ، وربما تأتي في صورة برنامج يوتيوب يتلقى دعما ماديا ضخما ، ويمتلك فريق عمل متكامل على مستوى ينافس في الجودة والإخراج الكثير من القنوات الرسمية والحكومية ..
في التعامل مع هذه الرسائل الناعمة ، قد يفقد الإنسان حسه النقدي الذي يملكه عند تعامله مع كتاب لمفكر عالمي ، ويتحول إلى عامي بسيط تُصنع تصوراته وأفكاره دون أن يشعر .. يتحول إلى متلق بسيط يعجز عن استخدام أداوته التي يملك ، وذلك لأنه يضحك ، ومع المتعة قد يفقد الإنسان كل شيء ..
الغذامي في كتابه النقد الثقافي ذكر كلاما أرى فيه إشارة مهمة جدا لضرورة التعامل مع " الامتاع " بأكثر من مجرد التلقي العفوي :
" .. من الواجب النظر إلى فعل الامتاع ، نظرة إشكالية تضع المتعة مع غيرها من الأفعال العمومية البشرية من الخبرات والسلوكيات مما هو استجابة لبواعث نسقية ، مما يتطلب التساؤل عما إذا كان فعل الامتاع يدفعنا إلى حياة أفضل وإلى مجتمع أفضل ، أم يزج بنا في أتون الفعل اليومي الذي يفعل فعله في إخضاعنا وإذلالنا .. "
ولعلنا نكتشف يوما أن أكثر الناس حكمة هم أكثر الناس حذرا وتوجسا وقراءة لما خلف السطور .
1424 هـ
تعليقات
إرسال تعليق
ضع تعليقك هنا