كيف تكون طبيب امتياز " ناجح وقوي ومتميز " ..
( وصفة للنجاح الشخصي ، ولتحويل حياة الطبيب المقيم السيء والمستغل إلى جحيم " )
قبل أن أشرع في كتابة هذه السطور ، عشت لحظات صمت أستحضرت فيها الآثار والأخبار في حرية الإنسان وملكه لنفسه ، وعن رفض العبودية والاستبداد ، وتذكرت فصولا جميلة ومتفرقةمن كتاب " طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد " للكواكبي ، وقرأت سريعا بيان الشيوعي " يا عمال العالم اتحدوا " ، فتشربت نفسي معاني الحرية والإباء وكدت أن أدعو جميع " الممتازين " من أطباء الامتياز إلى ثورة واعتصام سلمي وغير سلمي .. لتحطيم كل القوى الإمبريالية الظالمة من أطباء مقيمين ومساعدين واستشاريين ، متأثر بالربيع العربي ، غير أني تذكرت أن الفتنة نائمة ، بل هي تحت التخدير العام !- ولله الحمد والمنة - .
وقبل اتخاذ أي خطوة عملية -أخي العظيم طبيب الامتياز- ، يجب أن تعلم أن هذه السطور تحوي على أسلحة محرمة " أخلاقيا " ودوليا ، وفيها خطوات وأمور يجب أن تمارس بالحذر التام ومع من يستحق فقط من الظلمة والمستبدين ومن يحاولون ممارسة " السادية " على " المستضعفين " ، واستخدام ما تحوي هذه السطور القادمة مع البشر " الطبيعيين " يخرجني من أي مسؤولية أخلاقية أو قانونية .. (( ولذا وجب التنبيه ))
أصدقكم القول أن أحد الأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها أثناء بداية الامتياز ، هو التعامل مع الطبيب المقيم بتقدير مبالغ فيه ، أعني بحذر ومحاولة والتعامل معه وكأنه " شيء عظيم ومختلف عني " ، وحين أتذكر ذلك الشعور الذي كان ينتابني أشعر بتأنيب الضمير وشيء ما يوبخني ويشعرني أنني كنت " أبلها " - مع الأسف الشديد - ، لأنني مع الأيام اكتشفت أن الطبيب المقيم هو " طبيب امتياز + " ، وأنني كطبيب امتياز وأي طبيب مقيم مجرد " طلاب طب متخرجين " ، وهذه المعادلة البسيطة يغفل عنها أو ينساها الكثير منا .. سواء " الممتازين أو المقيمين " .. وهناك كثير من الحمقى من " الممتازين أو الأطباء المقيمين على وجه الخصوص " يجدون منا كأطباء أمتياز أو من طلاب الطب ما يشبع " الحمق والكبر " لديهم .
مثلا ، قبل أيام جاءنا أطباء امتياز مستجدين .. أحدهم كان يتحدث مع أحد " أطباء الامتياز+ " ، بصوت منخفض ورأس مطرق للأسفل وكأنه يتحدث مع إنسان يختلف عنه .. هذا الموقف أعاد لي صورتي في بداية الامتياز وكيف مارست نفس " البلاهة " .. - الله المستعان ضميري بدأ يؤنبني من جديد - !!
نعم ، " ياحبيبي " - أقول حبيبي لاستدرار ثقتك - ستجد الكثير من الأطباء المقيمين الذين يحسنون " ضبط الكرفتة بشكل جيد " ، ويحسنون الاستعراض في الاجتماع الصباحي ، والقادرين على " إظهار تميزهم " العلمي " عليك بينما هم من " جنبها " تماما .. وأنا أعني ما أقول ، وأن الفرق بينك وبينهم هو أنك تنظر إليهم وأنت فاقد الثقة في نفسك ، وهذا ما يجعل " اللي شايف نفسه " ينظر إليها بتعظيم أكبر . ولدي كثير من القصص والمواقف المضحكة لهذه العينات التي لا تستحق إلا أن تسحب وتوضع في متاحف مغلقة لا يطلع عليها أحد .. هذا كل من قبيل الاستطراد ، وهو يستهدف الجانب السيء من الأطباء المقيمين - وأنتم كذلك أطباء الامتياز لديكم عينات تستحق ان تدخل هذه المتاحف - ، أما الجانب المضيء والأطباء الرائعين فهم موجودون بكثرة والحمد لله ..
أقول مستعينا بالله :
أولا : .. المريض أولا .
ستجد كثيرا من النصائح قبل الامتياز وأثناءه تقول لك " احرص على تشبيك الاستشاري الفلاني " ، " حاول تعمل مع فلان " ، " إذا قدرت تأخذ توصية من فلان " .. وعبارات كثيرة من هذا النوع ، فأرجوك أرجوك يا " حبيبي " - مرة أخرى - لا تفسد عملك وتعبك وذهابك إلى المستشفى بمثل هذا النوع النيات الهابطة ، التي تجعلك في موقف لا يليق أمام نفسك وأمام الناس .. فالنفس لا يقوى أحد على خداعها ، كما أن الناس أعقل من أن ينال إعجابهم متكلف متملق .
ستجد الكثير حولك من أصحاب هذه النوايا وأصحاب نوايا أخرى مختلفة ، ووالله والله لن تتميز حقيقة أمام نفسك ثم أمام الناس إلا بإصلاح نيتك ورفعها عن هذه الهبوط ، وكل شيء يأتي بعد ذلك ..
من المضحك أن ترى البعض لا هم له إلا كيف يرضي الإستشاري الفلاني ، وكيف " يظهر " نفسه أمام القسم ، وكيف يضمن لنفسه القبول في " البروقرام " وكيف يصل لأن يعمل في الفريق الطبي الذي يشرف عليه " البروقرام دايركتور " !
من القصص المضحكة - والامتياز قصص لا تنتهي - ، أنني ذهبت برئيا لقسم الأطفال في أحد المستشفيات الكبيرة ، وفي اليوم الأول كان اجتماع بأطباء الامتياز ، استغربت فيه حرص الغالبية من الطلاب على تخصص الأمراض المعدية ، والتنافس الشديد القائم الذي وصل إلى حد " الاقتراع والاستهام " ، واستهموا .. وخرج البعض منتصرا سعيدا وآخرون خروجوا خائبين مقهورين .. ومضت الأيام وأنا " يا غافل لك الله " .. وبعد فترة علمت أن المسؤول عن الأمراض المعدية هو مشرف البرنامج في المستشفى .. وأن ذلك الاحتراب على الأمراض المعدية لم يكن حبا في التخصص بل " تملقا " وخداعا ، إلى هنا لا مشكلة ، المشكلة أنه بعد شهر تقريبا من ذلك الصراع والاقتراع تغير مشرف البرنامج ليصبح مشرفا جديدا .. وكأن شيئا لم يكن .. ويا خيبة المنتصرين .
عذرا للاستطراد المتكرر ، ولكي لا يتكرر من جديد .. سأتبع أسلوب : أولا ، ثانيا ، ثالثا ,, إلخ . وأرجو أن يجدي نفعا !
أولا : .. عفوا أقصد " ثانيا " - هناك " أولا " مهمة قبل ما يقارب عشرة أسطر - .
ثانيا-من جديد-:
قلت أن من الأخطاء الكبيرة هي إعطاء الطبيب المقيم أكبر من حجمه ، وللتفصيل أكثر .. " كما أن الحط من أقدار الناس ظلم لهم ، فإن رفع الناس فوق أقدراهم هو ظلم لهم كذلك " ، فلا يوجد أي مبرر علمي ولا نظامي ليتفرغ طبيب الامتياز " لمرافقة " الطبيب المقيم حيث ما حل وارتحل .. يوزع معه الابتسامات ويحاول أن يتصنع الانبساط لبعض " الحكايا السامجة والثقيلة " ،
ولا مبرر نظامي ولا أدبي للاستئذان المتكرر " عفوا دكتور سأذهب لأتناول القهوة ، عفوا دكتور أحتاج دورة المياه ، عفوا دكتور سوف أزعجك بعطسة طارئة .. عفوا ، عفوا .. لو سمحت ، لوسمحت .. " ، لماذا كل هذا ؟!!!!!
صحيح ، هناك نوعية من الأطباء المقيمين يحب أن يُمارس معه هذا النوع من الاحتفاء ، لا عليك منهم ما دمت َ تؤدي عملك بشكل جيد ، إذا رأيت أن أحدهم يمارس الاستعراض بك وأنت تسير معه .. قل له عفوا دكتور : لدي أعمال ومرضى كما لديك أعمال ومرضى ، - ولتلطيف الجو - لو احتجت شيئا سأتواصل معك .. " مع السلامة بابتسامة جافة " كهذه ( :| ) .
تستطيع بكل وضوح أن تقول لمن يسعى لاستهلاكك : عفوا دكتور دعني أنهي عملي أولا وأكتب المطلوب مني أمام الفريق الطبي ، وأعود إليك - وحاول ان تخلص وتتقن عملك جيدا - .
ثالثا :
أجمل ما يجده طبيب الامتياز ، أن يرزقه الله فريقا طبيا يهتم بمناقشة الحالات وتوزيع المهام العلمية ، والبحث فيما أشكل من المواضيع والتكليف بالتحضير والقراءة .. هذا الجانب الجيد يحوله بعض " المقيمين " إلى جانب سلبي جدا جدا ومقزز ومثير للإشمئزاز . المعلومة حين تعرض بطريقة استعلائية متكبرة " تتحول " إلى قذفية ورصاصة تخترق إحساسي - وربما غيري كذلك - .. من يشعر بهذا الشعور خصوصا عندما يأتي من " طبيب امتياز + " يتحدث عن تجربته ويبدأ بسرد كلمات كـ :
in my practice
this is first time in my life
very rare presentation per my knowledge
هنا .. يجب أن تبتسم ابتسامة بلهاء ، وتهز رأسك ، وتبدأ في البحث عن شيء يشغلك يمينا أو شمالا . تستطيع أن تسأل سؤال غبيا وذكيا في الوقت ذاته : كم حالة رأيتها يا دكتور ؟ يعني المرض منتشر ؟ .. امممم ..
هذا النوع من الناس لن يكتفي بهذا بل سيبدأ بسؤألك بعض الأسئلة الاستعراضية ، لا تضيع وقتك معه قل مباشرة بهدوء
وغفلة : I don't knooow فقط . ثق أنها قاتلة بما فيه الكفاية ، لا تسأل ولاتطالب بمزيد إيضاح وإن كنت فعلا لا تعلم عليك بـ emdicnie إنه يمنحك المعلومة بلا من ولا أذى ..
رابعا :
أثناء " الراوند " وحين يكون هناك نقاش حول حالة معينة أو أسئلة تثار .. قل ما تعرفه جيدا في الوقت الجيد دون تردد ، اسأل عما تجهل ، طبعا لا يغرنك من يقول لا تسأل الاستشاري مباشرة ، بل - اسمعني يا حبيبي - لا تسأل في وجود الاستشاري إلا الاستشاري واسأل في وقت مناسب بأسلوب مناسب ، واقصد البحر وخل القنوات والفروع النهرية الصغيرة .. ربما سيقول لك أحدهم - كما قد قيل لغيرك يوما ما - لا تعطي معلومة وأنت غير متأكد منها أثناء النقاش ..
هنا يجب أن تسأل " ببلاهة " : لماذا ؟ .. ستسمع سببا سخيفا بلا شك ، عندها يجب أن تقول ببلاهة أيضا : أها .. بسيطة !
هنا وصفة خطيرة وسامة جدا وقاسية جدا لكنك قد تحتاجها أحيانا مع بعض النوعيات من الناس :
من الأدب ألا يجيب الإنسان على سؤال إذا لم يوجه إليه ، أما إن كان السؤال عاما فالمشاركة حق للجميع كبر أم صغر ،
هذا شيء نتفق عليه جميعا . الجديد هنا : أن السؤال قد يُوجه إلى صاحبك الذي " فقع قلبك " .. ولم يجب عليه ، هنا
لابد للأفكار الشيطانية أن تطل برأسها من أجل شيء واحد فقط أن تثبت لهذا النوع من الناس أننا سواسية في الطريق للعلم . اسمعني بحرص يا صديقي : إن كنت تعلم الإجابة جيدا أو بعضها فانظر لعيني السائل - وعادة ما يكون الاستشاري - مباشرة ، ثق أنه سيحول السؤال إليك مباشرة .. هذه تحول لحظة الطبيب المقيم الذي يحاول الحط من قدرك إلى جحيم !
سادسا :
سوف يراك هذا النوع من الأطباء المقيمين السيئين نموذجا لطبيب الامتياز السيء والمغرور ، - في نظري القاصر - أن نظرة هذه النوعية من الناس لا يُعتد بها ولا تستحق الاعتبار ، ولكني على ثقة - وبتجربة :) - أن هذه النوعية من الناس لا يمكن أن تحترمك وتقدرك إلا إذا تعاملت معها بهذه الصورة ، وفي الوقت ذاته أسبغ على " الغالبية الطيبة " بالغ احترامك ، وكل تعاونك وتقديرك لهم .. اسألهم ، تعلم منهم ، استشرهم ، كن السهل اللين ، بادرهم بما تظن أنهم خجلوا من سؤالك إياه حياء منك ، حضر جيدا لما تُكلف به أمام القسم أو أمام الفريق ..واخلص في عملك لله أولا وآخرا .
أولا - ثانيا - ثالثا - رابعا - خامسا -سادسا :
من المفارقات الغريبة أننا نغفل مع مرور الأيام أن كليات الطب بطلابها ، وأساتذتها ، ومختبراتها ، والمستشفيات ، والمدن الطبية ، والأموال التي تنفق على كل هذا لم تكن إلا لشيء واحد وهو لب هذا كله وغايته أعني " المريض " ، وفي النهاية
نجد أن " المريض " في أحايين كثيرة هو الرقم الخاسر في هذه المعادلة ! قد تجد مريضا قد مُهر ملفه بـ ( DNR ) ، أو في وضع لا يُرجي له برء ، وليس له عائلة ذات اسم أو رسم ، فأرجوك يا صديقي لا يجعلك هذا تغفل عنه ويمنعك من ( دقائق ) عابرة تنظر إليه مباشرة دون وسائط أو إسناد ، فتلقى عليه التحية ، وتدعو له إن ألهمك الله التعبد بالدعاء .. فالمرضى ليسوا أوراقا مرقمة نكتب عليها ونرحل .. حتى ترحل !
نسأل الله ألا تموت قلوبنا ومشاعرنا .. فتصبح كتلك التي نراها كل يوم .
الرياض - ١٤٣٢ هـ
تعليقات
إرسال تعليق
ضع تعليقك هنا