سبعة كتب ( ٣ )
خواطر وانطباعات عن كتب قرأتها في الفترة القريبة وليس بين هذه الكتب من رابط إلا الفترة الزمنية أو قربها من الذاكرة. وتعمدت أن تكون من الذاكرة دون أن أعود للكتاب حتى تكون صورة عامة مما انطبع في الذاكرة عن هذا الكتاب أو ذاك. وإن عدت فإنما أعود لمقتطفات دونتها أثناء قراءتي الأولى للكتاب. آمل أن يجد القاريء فيها ما يستحق.
١) - إلى الجيل الصاعد : أحمد السيد.
أظن أن هذا الكتاب من الكتب التي يجب أن يُوصى بها أبناء هذا الجيل الحائر… والكتاب على صغير حجمه جميل ثمين. وأوصي به لكل من هم أقل من الثلاثين.
٢)- الشاعر حمد الحجي:محمد بن سعد بن حسين.
أول معرفتي بهذا الشاعر كانت خلال دراستي للطب النفسي في الكلية عام ١٤٢٩ هـ تقريبا وكنت قرأت عنه مقالا عابرا لا أدري أين، وقرأت قصيدته التي يصف فيها شقاوته واكتئابه.
أأبقى على مر الجديدن في جوى
ويسعد أقوامٌ وهم نُظَرائي؟
ألستُ أخاهم قد فُطِرنا سويّةً
فكيف أتاني في الحياة شقائي؟
أرى خَلْقَهم مثلي وخلقيَ مثلَهم
وما قصّرتْ بي همّتي وذكائي
يسيرون في درب الحياة ضواحكاً
على حين دمعي ابتلّ منه ردائي
وهل لهمو جودٌ بما في أكفّهمُ
وإني مدى عمري من البخلاء؟
وهل كلُّهم أوفَوْا بكل عهودِهم
ومن بينهم قد غاض ماءُ وفائي؟
….
….,
لقد نظروا في الكون نظرةَ عابرٍ
يمرّ على الأشياء دون عناء
وأصبحتُ في هذي الحياة مُفكّراً
فجانبتُ فيها لذّتي وهنائي
ومن يُطِلِ التفكيرَ يوماً بما أرى
من الناس لم يرتحْ ونال جزائي !
المهم قرأت عنه وجمعت مادة للكتابة عنه لكنني انشغلت وسارت بي الأيام حتى دخلت مكتبة نائية هنا في فيرجينيا ووجدت هذا الكتيب لقصائد جمعها المؤلف للكاتب رحمه الله. وله ديوان أجمع جمعه محمد بن أحمد الشدي بعنوان عذاب السنين. فيه قصائد تفيض بالألم والحزن الحسرة. والشاعر ممن لا يكاد يذكر حين يأتي ذكر الشعراء السعوديين.
٣) - حلم رجل مضحك ، ديستوفيكسي
قصة في عدة صفحات.
لم تعجبني. وكأنه ليس ديستوفيسكي الذي أعرف.
٤) على خط الانتاج: جميل الرويلي.
الكتاب وإن لم يكن كتاب موعظة إلا أنه مليء بالمواعظ البليغة لمن كان له قلب. وفيه من الأفكار التي تكاد تختفي حول علاقة الإنسان بالإنسان وعلاقته بالوظيفة والعمل والمال .. إلخ. أعرف أن الكاتب ليس يساريا ولا علاقة له بذلك لكن قاريء الكتاب قد يظن أن الرجل من بقايا اليسار العربي. وقد تلذذت بالكتاب كثيرا وأثار في ذهني تساؤلات أحاول تثبيطها لأن الإجابات عليها ليست يسيرة، وهو قصير وخفيف في مئة صفحة.
٥) مقنعة السائل عن المرض الهائل:
الكتاب رسالة عن طاعون وقع في الأندلس عام ٧٤٩ هـ وهو قصير جدا. المحقق أضاف في أوله وفي آخره. وكان من الملفت أن ذلك الطاعون جاء من الصين كما نُقل عن الرواة، وذكر المؤلف وغيره ممن نقل المحقق بعض نصوصهم عن ضرورة العزلة والقرار عند وقوع الطاعون كما جاء في الحديث كذلك.
٦) نظام التفاهة - ألان دونو:
المترجِمة قدمت الكتاب بتقديم جميل جدا وغني لكن الترجمة جاءت جافة جدا وقد تضطر لقراءة العبارة عدة مرات حتى تفهم المراد. بل أحيانا كنت أضطر للقفز عدة أسطر والعودة عدة أسطر لمحاولة فهم ما يراد. وهذا للأسف حال كثير من الكتب الفكرية المترجمة.
شدني من الكتاب أشياء كثيرة أبرزها الآتي:
أ. نقده الشديد للنظام الجامعي بشكله الحالي، وكيف أن “النشر” بحد ذاته صار غايةً يسعى إليها الأستاذ. هو يقول ذلك وأنا أرى كثير من الأطباء حولي ممن ينشر بشكل مكثف لكنه ضعيف جدا في التعامل مع المرضى. وكان صادقا في ملاحظاته الدقيقة حول غلبة الشللية على العمل الأكاديمي.
ب. مصطلح الفن التخريبي. وهو الفن الذي يتقصد استفزاز وإثارة “المؤسسات القائمة”. و”المؤسسات” هو مصطلح يكرره المؤلف كما يكرره غيره، ويعني بالمؤسسات القيم الاجتماعية والدينية التي يتعارف عليها مجتمع معين. والكاتب لم يكن ناقدا للفن التخريبي بشكل عام بل ينقد كيف صار حتى هذا النوع من الفن موجها من الحكومات والمؤسسات بعد أن كان عبارة عن ثورة فنية ضد السائد.
الكتاب خُتم بعبارات حماسية و”أسئلة خطابية” مشحونة بالغضب على الواقع.
“ أنا ، النكرة المسكين، ما الذي يمكنني عمله؟ بهذا الصدد؟”، توقف عن السخط وانتقل إلى السؤال التالي: اعمل بلا هوداة لخلق توليف من القضايا الوجيهة، التق مع الآخرين في تجمعات بخلاف الطائفية والشللية، اسخر من الايديولوجيات، اختزل المصطلحات التي تريد البروباغندا كتابتها في جوهر ذواتنا وحولّها إلى موضوعات مجردة للتفكيرـ تجاوز أساليب السيطرة التي تمارسها المنظمات، وحاول خلق بنى ً تشبهنا.
كن راديكاليا! “
وهذه العبارات لن تفهم بشكل واضح ما لم يقرأ القاريء الكتاب.
الكتاب بشكل عام -رغم جفافه الشديد- يستحق القراءة.
٧) عالم جديد شجاع - هكسلي:
كتُبت هذه الرواية عام ١٩٣١ وهي محاولة لتصوير عالم مستقبلي متخيل لبشرية خالية من المشاعر والقيم الإنسانية، ومنسلخة من القيم والأخلاق. وفيه يكون الإنسان نتاج عمليات كميائية مخبرية، وتصبح الأسرة والأب والأم أشياء من القديم الذي يُعاب ولا يمكن أن يذكر. ويبقى بقية قليلة تدير هذه المجتمعات المقولبة وتعرف حقيقة الإنسان ، لكنها تحرص كل الحرص على إخفاء الحقائق عن هذه الأجيال، وتخفي الكتب السماوية وكتب الأدب والتراث العالمي حتى لا يرى المجتمع المصنوع أي أفكار تخالف ما هو عليه.
من مزايا هذه المجتمع المخبري: الاستهلاك الدائم والانغماس في اللحظة والهرب من الحزن بتناول المهدئات والاستغراق في اللذائذ. فجأة يظهر شخص بدائي يسائل هذا المجتمع ويتصادم معه .. إلخ.
والراوية - كأي رواية أخرى - هي نسخة مبالغ فيها لما يمكن أن تكون صورة المجتمع المادي في أبشع صوره، وتاريخ كتابتها يدل على عقل بصير نظر لمآلات الحضارة في وقت مبكر جدا. كما أنه يُصور كيف يُمكن أن تمحى ذاكرة المجتمعات وتستبدل.
تعليقات
إرسال تعليق
ضع تعليقك هنا