رحلتي إلى آلاسكا (١)
عصر الأربعاء غرة ١٤٤٢ هـ خرجت من البيت قاصدا السوق لشراء حقيبة سفر صغيرة تناسب الرحلة المفاجئة. كنت أقود السيارة على الطريق المعتاد بكل هدوء والتزام كمواطن صالح ومهذب. وجدت الإشارة أمامي خضراء ونظرت أمامي وعن يميني وعن شمالي فإذا الطريق سالك والأمور تسير في صالحي، ملت بالسيارة يسارا وكلمح البصر أرى دراجة نارية تنطلق نحوي كالبرق.. و طااااخ .. واختفى الرجل واختفت دراجته. كانت لحظات سريعة كالبرق نزلت من السيارة بسرعة فإذا الرجل يتحرك ثم قام يردد عبارات الغضب. ساعدته حتى وصلنا للرصيف، صببت الماء على راسه واصبعه التي كان ينزف منها الدم. حصلت سلسة معتادة من الأحداث بعد ذلك: الشرطة، شركات التأمين، شركة شحن السيارة.. مهاتفات وإتصالات وغباء مفرط من بعض الموظفات في شركة التأمين، وما زالت الصورة لم تتضح بشكل نهائي حتى هذه اللحظة وأنا استقل الطائرة المتجهة من واشنطن إلى دالاس ومنها بعد ذلك إلى مدينة أنكوريج في ولاية آلاسكا. لا أدري الآن حقيقة أين سيارتي بعد كل هذه المكالمات طويلة لكن كل شيء سيكون بخير بإذن الله.
سماء واشنطن ١.١.١٤٤٢ |
قبل أي شي أود أن أقول إن لدي حساسية من فكرة السياحة والسفر للمتعة وقد يتفق معي البعض أو يختلف حول هذا لكنني أذكره عرضا. وقد دونت عنه مدونتين سابقتين تجدها هنا:
١) لماذا يسيح الناس في الإجازات؟
ويقيني أن المتعة والبهجة أو السعادة هي حالات من الاطمئنان والاستقرار والتعايش مع الروتين بتصالح. وإن السفر للمتعة أو البحث عن البهجة هو حالة طارئة وغير طبيعية. وأن السفر هنا يظهر ”كمورفين“ مسكن ما يلبث أن يزول أثره على الجسم ثم يعود الألم كما كان. ووجدت أمرا في غاية الطرافة أن الطبقة الراقية من المصريين أيام الملكية - مثلا - كانت تتجنب الإشارة إلى السفر للمتعة فيستخدمون كلمات مثل الاستشفاء. وأنا هنا لا أقدم مبررات للسفر وإنما ”أتحدث“ والحديث قد يأخذ الإنسان كل مأخذ.
دعك من كل هذا. وجدت أن لدي ١٤ يوما من رصيد إجازتي السنوية كنت قد أجلتها حتى يأتي الصيف فتكون إجازتنا في السعودية كالمعتاد لكن كروونا قطع الله أوصاله كان بالمرصاد. بيني وبين السفر للسعودية حواجز وسدود: رحلات محدوة من واشنطن، تأشيرة منتهية ، احتمال الخضوع للحجر، فكرة أنك ستأخذ معك هذا الرفيق السيء ”كرونا“ لبعض من تحب، اضطرارك لطلب أذن من وزارة الداخلية بالسفر … إلخ. وهذه الـ١٤ يوما ستقضيها بين حجر ومراجعات لأوراق ثبوتية دون الغاية من القرب من الوالدين والأحباب وإطفاء بعض نار الشوق للوالدين والأخوة والأصدقاء. حاولت وفكرت وأقدمت وأحجمت ثم .. استسلمت. زوجتي وأولادي في السعودية وهدوء ”صاخب“ يملأ البيت يعيد ذكريات أيام كنت فيها خفيفا كريشة ، في شقتي الهادئة على طريق السودة. وهأنا خفيف كريشة مرة أخرى.
أين أذهب؟ ..
البيت خيار رائع جدا وأنا معتاد على البقاء في البيت أياما معدودة دون الخروج إلا للصلوات. وهذا الفراغ فرصة للقراءة الحرة والانتهاء من بعض الأشياء العالقة، والتحديق في السقف، وقص أظافري كل يوم مرة أو مرتين، إعداد الشاهي والقهوة العربية والتركية بتركيز واخلاص، تنقية البريد الإلكتروني، الرد على بعض الإيميلات، إكمال بعض مذكراتي، تعلم إجراء الميتا انلايسس، أخذ دورة في الـSPSS، قراءة كتاب أو كتابين علميين مع الأصدقاء، كتابة مقالة أو مقالتين في التخصص، الإنتهاء من فصول الكتاب الموكلة إلي، تركيب ستارة غرفة النوم، تعليق الرف، رمي بقايا الكنبة، الإلتزام أكثر ببرنامج الرياضة والمشي، اكتشاف أماكن جديدة في دي سي، اقتراب أكثر من الأصدقاء، زيارة خاطفة لغرب فيرجينيا…. إلخ. قائمة تطول بالأشياء التي يمكن عملها في هذه الـ ١٤ يوما.
الخيار الآخر هو الذهاب إلى مكان جديد تماما ”للتجربة“ وليس ”للمتعة“. ولهذا قررت الذهاب للاسكا! ..
هذه مقدمة طويلة فيما يبدو سأحاول الاختصار وسأحاول التدوين بشكل يومي عن هذه الرحلة..
تعليقات
إرسال تعليق
ضع تعليقك هنا