إن سعيكم لشتى ..
خلقنا الله شتى مختلفين، لكل واحد همه ورأيه وعزيمته، والمشارب أكثر من أن تُعد أو تُحصى. ولو أطاعتني نفسي ما وهّنت عزيمة أحد ولو همسا، ولا خالفت أحدا رأيا ولا حتى في صدري، وقد أرى أو أسمع من عجائب ما يقدم عليه الناس فستنكره نفسي، ثم أعود فأقول وهل شققت عن صدور الناس؟! فربما لا يدفع الإنسان لما ترى إلا فراغ قاتل ، فهو يقتله بوهم العمل، أو هم مشغل، فهو ينشغل عنه باصطناع الشغل.
وقد أجلس المجلس الذي لابد منه، فأسمع أحاديث وسواليف ليست مني ولست منها، وهي مع ثقلها على صدري ، تكرر وتعاد الليل كله. فأقول في نفسي: ألا يدرك هؤلاء ما يفعلون؟ وأي شيء يرجون برخيص الكلام هذا؟ ثم أقول: أرأيت لو كان كل من ترى حِلس بيته لا يخرج منه، هل يقوى على الخلو بنفسه؟ أليس يفعل هذا فرارا من الفراغ وضجيج البيت، وقنقة العيال؟ وكم ستقتل الوحدة والاكتئاب من أناس ما يثقل على نفسك هو متنفسه الباقي في الحياة؟ وأي ثقة تخدعك بها نفسك،لتظن أنك بمنأى عن كل هذا عندما يقل ما بيدك وما في ذهنك من الأشياء؟
ثم إن مسير الأيام يدفعك دفعا للتبلد وأن تتعود قبول الأشياء، وأن تجعل وجهك وظهرك جسرا لما تحب وما لاتحب. فيقل نكيرك واعتراضك، وإلا عافك الناس واستثقلوك، حتى زوجك وبنوك. ولايبقى بينك وبين أحبابك إلا “الطبطة” و التمرير وقبول الأشياء كيفما اتفق. وإنك إذا حرصت ألا تسمع إلا ما تحب، ولا يقع في حضورك إلا ما تريد، وأن يتشكل الناس بقوالبك وعاداتك، وأن يسلك الناس مسلكك، ويستلذوا مطعمك ومشربك.. لو أردت كل هذا وأمثاله لن تكاد تسمع وترى إلا ما تكره، وخالفك الناس رغبة في الخلاف، وعافوا ما تحب، وبقيت مسالكك مهجورة مقفرة. وكل ما أعنيه هنا هو فيما يمكن الخلاف فيه من الأشياء، وما يمكن التنازل عنه في الحياة. وليست دعوة لهجر الحق ومكارم الأخلاق إرضاء للناس. والعاقل أفهم من أن تساق له الامثله والاستداركات.
تعليقات
إرسال تعليق
ضع تعليقك هنا